الثلاثاء 23 أبريل 2024 الموافق 14 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
عربى ودولى

"نيويورك تايمز" تكشف كواليس "خيانة" أستراليا والولايات المتحدة لباريس

الأحد 19/سبتمبر/2021 - 04:27 م
بايدن وجونسون وموريسون
بايدن وجونسون وموريسون

بذلت الولايات المتحدة وأستراليا جهودًا غير عادية لإخفاء الأمر على باريس حين تفاوضا سرا على خطة لإبرام صفقة غواصات نووية، مما أدى إلى إفشال أحد كبر عقود الدفاع في تاريخ فرنسا، وأثار غضب الرئيس إيمانويل ماكرون لدرجة أنه أمر أول أمس الجمعة بسحب سفيري فرنسا لدى البلدين، وفقاً لما ذكرته صحيفة "نيوريورك تايمز" الأمريكية.

كان قرار ماكرون تصعيدًا مذهلاً وغير متوقع للتوتر بين واشنطن وباريس، في اليوم الذي خطط فيه البلدان للاحتفال في السفارة الفرنسية بواشنطن بتحالف يعود إلى هزيمة بريطانيا في حرب الإستقلال الأمريكية.

ومع ذلك ، فقد كان مدفوعًا بإدراك فرنسا أن اثنين من أقرب حلفائها يتفاوضون سراً منذ شهور، فوفقًا لمقابلات مع مسؤولين أمريكيين وبريطانيين ، تواصل الأستراليون مع الإدارة الجديدة لبايدن بعد فترة وجيزة من تنصيبه وقالوا إنهم توصلوا إلى أنه يتعين عليهم الخروج من اتفاقية بقيمة 90 مليار دولار مع فرنسا لتزويدهم بـ12 غواصة هجومية.

خشي الأستراليون من أن الغواصات الفرنسية التقليدية قد تكون عفا عليها الزمن بحلول وقت تسليمها، أعربوا عن اهتمامهم بالبحث عن أسطول من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية الأكثر هدوءًا استنادًا إلى التصميمات الأمريكية والبريطانية والتي يمكنها القيام بدوريات في مناطق بحر الصين الجنوبي مع مخاطر أقل للكشف، لكن لم يكن من الواضح كيف سيتم إنهاء الاتفاقية مع فرنسا، والتي كانت بالفعل تتجاوز الميزانية الأسترالية وتتأخر عن موعدها، وقال مسؤول أمريكي كبير: "أخبرونا (أستراليا) أنهم سيهتمون بالتعامل مع الفرنسيين".

عرف أستراليا أن الولايات المتحدة ستدعمها، فالرئيس بايدن الذي جعل من الضغط بقوة على الطموحات الإقليمية للصين ركيزة أساسية في السياسة الأمن القومي الأمريكية، كان قد أخبر مساعديه أن تلك الغواصات الفرنسية الصنع لن تؤدي الغرض، فتلك الغواصات ليس لديها القدرة على السير في المحيط الهادئ والظهور بشكل سريع وغير متوفع على الشواطئ الصينية.

لم توضح أستراليا بشكل صريح لفرنسا نيتها إلغاء الصفقة التي استغرقت سنوات للتفاوض عليها، وكذلك الولايات المتحدة في العديد من الاجتماعات تضمن بعضها الرئيس بايدن ووزير الخارجين أنتوني بلينكن لم يوضحوا نيتهم التدخل في صفقة الغواصات، كانت هناك حالة من التهرب الدبلوماسي الكامل من ذكر الأمر.

ناقش كبار مساعدي بايدن القضية أخيرًا مع الفرنسيين قبل ساعات من الإعلان عن الصفقة على الملأ في البيت الأبيض في اجتماع افتراضي بين بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وسكوت موريسون رئيس وزراء أستراليا، وكانت النتيجة انفجارًا غضب فرنسا أقدم حلفاء أمريكا، وشعورها بخيانة واضحة للثقة.

وفي النهاية ، كان قرار بايدن نتيجة حسابات تقوم بها الدول أحيانًا عندما يكون أحد الحلفاء أكثر أهمية استراتيجيا من الآخر-وهو أمر لا يحب القادة والدبلوماسيون الاعتراف به علنًا  وبينما يعد ما أقدم عليه بايدن هو امتداد لما أطلقت عليه إدارة أوباما قبل 12 عاما "التحول نحو آسيا"، فإن إدارة بايدن تواجه الآن غضب الحلفاء الأوروبيون التقليديين الذين يشعرون أنهم يتم التخلي عنهم.

قال ريتشارد فونتين الرئيس التنفيذي لـ"مركز الأمن الأمريكي الجديد" (CNAS) ، "بقدر ما تم وصف التحول بأنه تحول نحو آسيا دون العدول عن مكان آخر، فهذا غير ممكن، الموارد العسكرية محدودة إن القيام بالمزيد في منطقة ما يعني تقليل العمل في مناطق أخرى"، ويبدو أن الأمر يتضمن أيضا إخفاء تفاوضات عن أقرب الحلفاء.

وبحلول الوقت الذي بدأت فيه إدارة بايدن إشراك أستراليا وبريطانيا بجدية في استراتيجيتها الناشئة لمواجهة الصين، كان عقدًا مدته ثلاث سنوات بقيمة 90 مليار دولار أو أكثر لغواصات سيتم بناء أغلبها من قبل الفرنسيين، قد بدأ بالفعل في التأرجح، فقال مسؤولون أمريكيون أن الغواصات كانت مصممة على تقنية دفع محدودة النطاق، ومن السهل جدًا على الصين اكتشافها، وأنها ستصبح قديمة للغاية في الوقت الذي يبدأ أستعمالها فيه، ربما بعد 15 عاما من الآن.

ووجدت أستراليا أن هناك بديل واضح، وهو الغواصات النووية التي نشرها الأمريكيون والبريطانيون، لكن المسؤولين الأمريكيين والأستراليين اتفقوا على أنه إذا علم الفرنسيون حقيقة أنه سيتم الإستيلاء على أحد أكبر عقود الدفاع في تاريخهم، فأنهم من شبه المؤكد أن يحاولوا تخريب الخطة البديلة، لذا قرروا إبقاء العمل في إطارمجموعة صغيرة جدًا من المسؤولين، ولم يذكروا أي شئ للفرنسيين حتى عندما التقى بايدن وبلينكين بنظرائهما الفرنسيين في يونيو.

لم يشر بايدن إلى خططه خلال محادثة لطيفة مع ماكرون في اجتماع قمة في يونيو في كورنوال في بريطانيا، حيث جلسوا بجانب البحر وتحدثوا عن مستقبل الـ"ناتو"، والتقى بايدن وجونسون وموريسون معًا في نفس اليوم، وناقشوا الصفقة الناشئة، وفي بيان بدا غامضا حينها، حيث تمت الإشارة إلى "تعميق التعاون الاستراتيجي بين الحكومات الثلاث" و"تلبية بيئة دفاعية متغيرة في المحيطين الهندي والهادئ"، وبعد ثلاثة أيام التقى موريسون بشكل منفصل مع ماكرون، لكن الفرنسيون يصرون حاليا بأنه لم يترك أي انطباع بأنه كان يعيد التفكير في الصفقة، بينما تصر أسترااليا على أنها نوهت لذلك في عدة مناسبات.



ووفقًا للمسؤولين الفرنسيين، التزم السيد بلينكين الصمت في 25 يونيو عندما التقي نظيره الفرنسي جان إيف لودريان في باريس، وأشاد بأهمية صفقة الغواصات الفرنسية، ومؤخراً في 30 أغسطس، عندما عقد وزراء دفاع وخارجية فرنسا وأستراليا مشاوراتهما السنوية، أصدروا بيانًا مشتركًا قالوا فيه إن البلدين ملتزمان بتعميق التعاون في صناعة الدفاع وشددا على أهمية برنامج الغواصات في المستقبل، في ذلك الوقت كانت أستراليا تعرف بشكل كامل أن برنامج الغواصات الفرنسية قد مات، بل أقتربوا من إبرام اتفاق مبادئ مع أمريكا وبريطانيا.

وقال السفير الفرنسي في الولايات المتحدة فيليب إتيان، في عدة مقابلات إنه سمع عن الصفقة لأول مرة في تقارير إخبارية مسربة ظهرت في وسائل الإعلام الأسترالية وفي "بوليتيكو" الأمريكية، بينما قال مسؤولون فرنسيون آخرون إنهم اشتبهوا في أن شيئًا ما قد حدث قبل أسبوع، لكنهم لم يتلقوا ردًا فوريًا من وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين، ليكون مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أول مسؤول أمريكي يناقش التفاصيل مع السفير إتيان هو، قبل ساعات قليلة من الإعلان العلني يوم الأربعاء.

ويصر المسؤولون الأمريكيون على أنه ليس في محله أن يتحدثوا مع فرنسا حول اتفاقهم التجاري مع أستراليا، لكن الآن وفي ضوء تفجر الأزمة، يقول بعض المسؤولين إنهم يأسفون لأنهم لم يصروا على أن تطلع أستراليا فرنسا على نواياها في وقت أسبق لذلك.

ولم تحصل الحكومة الصينية كذلك على تنبيه مسبق عن الصفقة، ذلك أن الموقف الأمريكي الرسمي هو أن صفقة الغواصات لا تستهدف أي دولة بعينها، ليكون الرد الصيني الأول هو وصف التحالف الثلاثي المسمى (AUKUS)، هو وصفه بـ"غير المسؤول للغاية"، وأنه قد يؤدي لبدأ سباق تسلح، فالصين قامت مؤخرا ببناء 12 غواصة تعمل بالطاقة النووية ويمكنها حمل أسلحة نووية كذلك، وعلى الجانب الآخر فإن أستراليا تعهدت بعدم امتلاك اسلحة نووية إطلاقا، لكن امتلاكها غواصات مدفوعة نوويا مازال يثير القلق.

ويحاول الأمريكيون الآن استيعاب الرد الفرنسي حتى قبل أن يستدعي ماكرون السفراء، لا سيما وصف السيد لو دريان التصرف الأمريكي بـ"سكينًا في الظهر"، ويرر البعض أن الرد الفرنسي درامتيكي وأن العلاقات ستعود إلى طبيعتها مع الوقت، ويشير التاريخ إلى أنهم قد يكونون على صواب، فقد تم في النهاية تخطي الخلاف الهائل الذي تسبب فيه الغزو البريطاني والفرنسي لقناة السويس في عام 1956.